الأيام
يوم البرادان
كان حجر بن عمرو
بن معاوية الكندى –كان
يعرف بآكل المرار ، وهو
جد امرئ القيس - قد أغار
في كندة وربيعة على البحرين
، فبلغ زياد بن الهبولة
– كان ملكاً على الشام
- خبرهم ، فسار إلى كندة
وربيعة وأموالهم ، وهم
خلوف ، ورجالهم في غزاتهم
المذكورة ، فأخذ الحريم
والأموال ، وسبى منهم
هند بنت ظالم زوج حجر ،
وسمع حجر بغارة زياد فطلبه
، وصحبه من أشراف ربيعة
: عوف بن محلم بن ذهل بن شيبان
، وعمرو بن أبي ربيعه بن
ذهل بن شيبان وغيرهما
، فأدركوا عمراً بالبردان
، وقد أمن الطلب.
فنزل
حجر في سفح جبل ، ونزلت
بكر وتغلب وكندة مع حجر
دون الجبل. فتعجل عوف بن
ملحم وعمرو بن أبي ربيعة
وقالا لحجر : إنا متعجلان
إلى زياد لعلنا نأخذ منه
بعض ما أصاب منا ، فسارا
إليه ، وكان بينه وبين
عوف إخاء فدخل عليه وقال
له : يا خير الفتيان : اردد
عليّ امرأتي أمامة ، فردها
عليه ، وهي حامل.
ثم إن
عمرو بن أبي ربيعة قال
لزياد : يا خير الفتيان
، اردد عليّ ما أخذت من
إبلي فردها عليه ، وفيها
فحلها ، فنازعه الفحل
إلى الإبل فصرعه عمرو
، فقال له زياد : ياعمرو
، لو صرعتم يا بني شيبان
الرجال كما تصرعون الإبل
لكنتم أنتم أنتم. فقال
له عمرو : لقد أعطيت قليلاً
، وسميت جليلاً ، وجررت
على نفسك ويلاً طويلاً
، ولتجدن منه ، ولا والله
لا تبرح حتى أروى سناني
من دمك ، ثم ركض فرسه حتى
صار إلى حجره فأخبره الخبر.
فأقبل حجر في أصحابه
حتى إذا كان بمكان يقال
له الحفير ، أرسل سدوس
بن شيبان وصليع بن عبد
غنم يتجسسان له الخبر
، ويعلمان علم العسكر
، فخرجا حتى هجما على عسكره
ليلاً ، وقد قسم الغنيمة
، وأطعم الناس تمراً وسمناً
، فلما أكل نادى : من جاء
بحزمة حطب فله فدرة تمر
– أي قدر تمر- ، فجاء سدوس
وصليع بحطب ، فناولها
تمراً ، وجلسا قريباً
من قبته ، ثم انصرف صليع
إلى حجر فأخبره بعسكر
زياد ، وأراه التمر.
وأما
سدوس فقال : لا أبرح حتى
آتيه بأمر جليّ ، وجلس
مع القوم يتسمع ما يقولون.
وهند امرأة حجر خلف زياد
، فقالت لزياد : إن هذا التمر
أهدى إلى حجر من هجر ، والسمن
من دومة الجندل.
ثم تفرق
أصحاب زياد عنه، فضرب
سدوس يده إلى جليس له ،
وقال له : من أنت ؟ مخافة
أن يستنكره الرجل ، فقال
: أنا فلان بن فلان ، ودنا
سدوس من قبة زياد بحيث
يسمع كلامه ، ودنا زياد
من هند امرأة حجر فقال
لها : ما ظنك الآن بحجر ؟
فقالت : ما هو ظن ، ولكنه
يقين ، وإنه والله لن يدع
طلبك حتى يطالع القصور
الحمر – تعنى قصور الشام
– وكأني به في فوارس من
بنى شيبان يذمرهم ويذمرونه
– ذمره أي حضه ولامه وحثه-
، وهو شديد الكلب تزبد
شفتاه ، وكأنه بعير آكل
مرارا ،- المرار : شجر مر
إذا أكلته الإبل قلصت
شفتاها - فالنجاء النجاء
، فإن وراءك طالباً حثيثاً
، وجمعاً كثيفاً ، وكيداً
متيناً ، ورأياً صليباً،
فرفع يده فلطمها ، ثم قال
لها : ما قلت هذا إلا من عجبك
به ، وحبك له. فقالت : والله
ما أبغضت ذا نسمة قط بغضي
له ولا رأيت رجلاً أحزم
منه نائماً ومستيقظاً
، إن كان لتنام عيناه فبعض
أعضائه مستيقظ ، وكان
إذا أراد النوم أمرني
أن أجعل عنده عسًا – العس
: إناء كبير- من لبن ، فبينما
هو ذات ليلة نائم وأنا
قريب منه أنظر إليه إذ
أقبل أسود سالخ – أسود
سالخ : الشديد السواد من
الحيات ، ويقال له سالخ
لأنه يسلخ جلده كل عام
- إلى رأسه فنحى رأسه ، فمال
إلى يده فقبضها ، فمال
إلى رجله فقبضها ، فمال
إلى العس فشربه ثم مجه
، فقلت : يستيقظ فيضر به
فيموت فأستريح منه ، فانتبه
من نومه ، فقال : عليّ بالإناء
، فأتيته له ، فشمه ثم ألقاه
فهريق ، فقال : أين ذهب الأسود
؟ فقلت : ما رأيته . فقال :
كذبت والله ! وذلك كله بأذن
سدوس ، فلما نامت الأحراس
خرج يسري ليلته حتى صبح
حجراً ، فقال :
أتاك المرجفون
برجم غيب .........................على دهش وجئتك
باليقين
فمن يك قد أتاك
بأمر لبس ................... فقـد آتي
بأمـر مستبيـن
ثم قص
عليه ما سمع به ، فأسف ونادى
بالرحيل ، فساروا حتى
انتهوا إلى عسكر ابن الهبولة
، فاقتتلوا قتالاً شديداُ
، فانهزم أصحاب ابن الهبولة
، وقتلوا قتلاً ذريعاً
، واستنفدت بكر وكندة
ما كان بأيديهم من الغنائم،
وعرف سدوس زياداً فحمل
عليه فاعتنقه وصرعه ،
وأخذه أسيراً ، فلما رآه
عمرو بن أبي ربيعة حسده
فطعن زياداً فقتله ، فغضب
سدوس وقال : قتلت أسيري
، وديته دية ملك ، فتحاكما
إلى حجر فحكم على عمرو
وقومه لسدوس بدية مِلك
، وأعانهم من ماله ، وأخذ
حجر زوجته هند فربطها
في فرسين ، ثم ركضهما حتى
قطعاها ، وقال فيها :
إن
من غره النساء بشيء.........................
بعد هند لجاهل مغـرور
حلوة
العين والحديث ومـر.......................كل
شيء أجن منها الضمير
كل
أنثى – وإن بدا لك منها.....................آية
الحب – حبها خيتعور
والخيتعور
: كل شيء يتلون ولا يدوم
على حال . وسمي هذا اليوم
يوم البرادان نسبة إلى
مواضع كثيرة ذكرها ياقوت
الحموي في معجم البلدان
، ولم يعين الموضع الذي
وقع فيه ذلك اليوم .
أيام
العرب في الجاهلية ، لمحمد
أحمد جاد المولى وآخرون
، ص
يوم الصفقة
قال ابن الكلبيّ
:
بعث كسرى أنو شروان إلى
عامله باليمن بعير تحمل
شجراً للقسي والسهام
، وكانت عير كسرى يحميها
المقاتلون من المدائن
حتى تدفع إلى النعمان
بن المنذر بالحيرة ، والنعمان
يحميها من بني ربيعة حتى
تدفع إلى هوذة بن علي الحنفي
باليمامة ، فيحميها حتى
يخرجها من أرض بني حنيفة
، ثم تدفع إلى بني تميم
، وتجعل لهم جعالة – أي
مكافأة – فتسير بها إلى
أن تبلغ اليمن ، وتسلم
إلى عمال كسرى باليمن
.
ولما بعث كسرى بهذه العير
ووصلت إلى اليمامة قال
هوذة بن علي للأساورة
الذين يرافقونها : انظروا
الذي تجعلونه لبني تميم
فأعطونيه ، وأنا أكفيكم
أمرهم ، وأسير بها معكم
حتى تبلغوا مأمنكم .
وخرج
هوذة والأساورة والعير
معهم من هجر ، حتى إذا كانوا
بنطاع – واد باليمامة
– بلغ بني تميم ما صنع هوذة
، فساروا إليهم وأخذوا
ما كان معهم ، واقتسموه
، وقتلوا عامة الأساورة
وسلبوهم ، وأسروا هوذة
بن علي ، فاشترى هوذة نفسه
بثلاثمائة بعير ، فساروا
معه إلى هجر ، وأخذوا منه
فداء .
وعند ذلك عمد هوذة
إلى الأساورة الذين أطلقهم
بنو تميم – وكانوا قد سلبوا
– فكساهم وحملهم ، ثم انطلق
معهم إلى كسرى ، فدخل عليه
وقص عليه أمر بني تميم
وما صنعوا ، فدعا كسرى
بكأس من ذهب فسقاه فيها
، وأعطاه إياها ، وكساه
قباء ديباج منسوجاً بالذهب
واللؤلؤ ، وقلنسوة قيمتها
ثلاثون ألف درهم ، ودعا
بعقد من در فعقد على رأسه
.
ثم إنه سأله عن ماله ومعيشته
فأخبره أنه في عيش رغد
، وأنه يغزو المغازي فيصيب
، فقال له كسرى : كم ولدك
؟ قال : عشرة ، قال : فأيهم
أحب إليك ؟ قال : غائبهم
حتى يقدم ، وصغيرهم حتى
يكبر ، ومريضهم حتى يبرأ
.
قال كسرى : الذي أخرج منك
هذا العقل حملك على أن
طلبت مني الوسيلة ، ثم
قال : يا هوذة ، رأيت هؤلاء
الذين قتلوا أساورتي
وأخذوا مالي ، أبينك وبينهم
صلح ؟ قال هوذة : أيها الملك
، بيني وبينهم حساء الموت،
وهم قتلوا أبي ، فقال كسرى
: قد أدركت ثأرك ، فكيف لي
بهم ؟ قال هوذة : إن أرضهم
لا تطيقها أساورتك وهم
يمتنعون بها ، ولكن احبس
عنهم الميرة ، فإذا فعلت
ذلك بهم سنة أرسلت معي
جندا ًمن أساورتك ، فأقيم
لهم السوق ، فإنهم يأتونها
، فتصيبهم عند ذلك خيلك
.
فعل كسرى ذلك ، وحبس عنهم
الميرة في سنة مجدبة ،
ثم أرسل إلى هوذة فأتاه
، فقال : إيت هؤلاء فاشفني
منهم واشتف ، وأرسل معه
ألفاً من الأساورة بقيادة
رجل يقال له المكعبر ،
فساروا حتى نزلوا المشقّر
– حصن حياله حصن يقال له
الملحم وبينهما نهر- من
أرض البحرين ، وبعث هوذة
إلى بني حنيفة فأتوه فدنوا
من حيطان المشقر ، ثم نودي
: إن كسرى قد بلغه الذي أصابكم
في هذه السنة ، وقد أمر
لكم بميرة ، فتعالوا فامتاروا
.
فانصب عليهم الناس وكان
أعظم من أتاهم من سعد ،
فجعلوا إذا أتوا إلى باب
المشقر أدخلوا رجلاً
رجلاً ، حتى يذهب به إلى
المكعبر فتضرب عنقه ،
وقد وضع سلاحه قبل أن يدخل
، فإذا مر رجل من بني تميم
بينه وبين هوذة إخاء أو
رجل يرجوه قال للمكعبر
: هذا من قومي فيخليه له
، فنظر خيبرى بن عبادة
إلى قومه يدخلون ولا يخرجون
، فقال : ويلكم ! أين عقولكم
؟ فوالله ما بعد السلب
إلا القتل ، وتناول سيفاً
، وضرب سلسلة كانت على
باب المشقر ، فقطعها وقطع
يد رجل كان واقفاً بجانبها
، فانفتح الباب ، فإذا
الناس يقتلون ، فثارت
بنو تميم .
فلما علم هوذة
أن القوم قد نذروا به كلم
المكعبر في مائة من خيارهم
، فوهبهم له يوم الفِصح
.
أيام
العرب في الجاهلية ، لمحمد
أبو الفضل وآخران ، ص 2
يوم بعاث
كانت الأوس قد
استعانت ببني قريظة والنضير
في حروبهم التي كانت بينهم
، وبلغ ذلك الخزرج ، فبعثت
إليهم : إن الأوس فيما بلغنا
قد استعانت بكم علينا
، ولن يعجزنا أن نستعين
بأعدادكم وأكثر منكم
من العرب ، فإن ظفرنا بكم
فذاك ما تكرهون ، وإن ظفرتم
لم ننم عن الطلب أبداً
، فتصيروا إلى ما تكرهون
، ويشغلكم من شأننا ما
أنتم الآن منه خالون ،
وأسلم لكم من ذلك أن تدعونا
وتخلوا بيننا وبين إخواننا.
فلما
سمعوا ذلك علموا أنه الحق
، فأرسلوا إلى الخزرج
: إنه قد كان الذي بلغكم
، والتمست الأوس نصرنا
، وما كنا لننصرهم عليكم
أبداً ، فقالت لهم الخزرج
: فإن كان ذلك كذلك فابعثوا
إلينا برهائن تكون في
أيدينا ، فبعثوا إليهم
بأربعين غلاماً منهم
، ففرقهم الخزرج في دورهم
، ومكثوا بذلك مدة.
ثم
إن عمرو بن النعمان البياضي
قال لقومه بياضة : إن أباكم
أنزلكم منزل سوء بين سبخة
ومفازة ، وإنه والله لا
يمس رأسي غسل حتى أنزلكم
منازل بني قريظة والنضير
على عذب الماء وكريم النخل
، ثم راسلهم : إما أن تخلوا
بيننا وبين دياركم نسكنها
، وإما أن نقتل رهنكم ،
فهموا أن يخرجوا من ديارهم
، فقال لهم كعب بن أسد القرظي
: يا قوم ، امنعوا دياركم
وخلوه يقتل الرهن ، والله
ما هي إلا ليلة يصيب فيها
أحدكم امرأته حتى يولد
له غلام مثل أحد الرهن
، فاجتمع رأيهم على ذلك
، فأرسلوا إلى عمرو بألا
نسلم لكم دورنا ، وانظروا
الذي عاهدتمونا عليه
في رهننا فقوموا لنا به
، فعدا عمرو بن النعمان
البياضي على رهنهم هو
ومن أطاعه من الخزرج فقتلوهم
، وأبى عبد الله بن أبي
وقال : هذا عقوق ومأتم وبغي
، فلست معيناً عليه ، ولا
أحد من قومي أطاعني ، وخلى
عمن عنده من الرهن.
فناوشت
الأوس الخزرج يوم قتل
الرهن شيئاً من قتال غير
كبير ، واجتمعت قريظة
والنضير إلى كعب بن أسد
القرظي ، ثم تآمروا أن
يعينوا الأوس على الخزرج
، فبعثت إلى الأوس بذلك
، ثم أجمعوا عليه ، على
أن ينزل كل أهل بيت من النبيت-
وهو حي في الأوس- على بيت
من بنى قريظة ، فنزلوا
معهم في دورهم. ثم أرسلوا
إلى سائر الأوس في الحرب
والقيام معهم على الخزرج
، فأجابوهم إلى ذلك.
فاجتمع
الملأ منهم ، واستحكم
أمرهم ، وجدوا في حربهم
، فلما سمعت الخزرج اجتمعوا
حتى جاءوا عبد الله بن
أبي ، وقالوا له : قد كان
الذي بلغكم من أمر الأوس
وأمر قريظة والنضير واجتماعهم
على حربنا ، وإنا نرى أن
نقاتلهم ، فإن هزمناهم
لم يحرز أحد منهم معقله
ولا ملجأه حتى لا يبقى
منهم أحد.
فلما فرغوا
من مقالهم قال لهم عبد
الله : إن هذا بغي منكم على
قومكم وعقوق ، والله ما
أحب أن رِجلاً – أي جماعة
- من جراد ألفيناهم ، وقد
بلغني أنهم يقولون هؤلاء
قومنا منعونا الحياة
أفيمنعوننا الموت ؟ والله
إني أرى قوماً لا ينهون
أو يهلكوا عامتهم ، وإني
لأخاف إن قاتلوكم أن ينصروا
عليكم لبغيكم عليهم ،
فقاتلوا قومكم كما كنتم
تقاتلونهم ، فإذا ولوا
فخلوا عنهم ، فإذا هزموكم
فدخلتم أدنى البيوت خلوا
عنكم ، فقال له عمرو بن
النعمان البياضي : انتفخ
والله سحرك - وهي عبارة
تقال للجبان، أي ملأ الخوف
قلبه -يا أبا الحارث حين
بلغك حلف الأوس وقريظة
والنضير. فقال عبد الله
: والله لا حضرتكم أبداً
، ولا أحد أطاعني أبداً
، ولكأني أنظر إليك قتيلاً
تحملك أربعة في عباء.
وتابع
عبد الله رجال من الخزرج
، واجتمع كلام الخزرج
على أن رأسوا عليهم عمرو
بن النعمان البياضي ،
وولوه أمر حربهم ، ولبث
الأوس والخزرج أربعين
ليلة يتصنعون للحرب ،
ويجمع بعضهم لبعض ، ويرسلون
إلى حلفائهم من قبائل
العرب ، فأرسلت الخزرج
إلى جهينة وأشجع ، وأرسلت
الأوس إلى مزينة ، وذهب
حضير الكتائب الأشهلى
إلى أبي قيس الأسلت ، فأمره
أن يجمع له أوس الله ، فجمعهم
له أبو قيس ، فقام حضير
، فاعتمد على قوسه ، وعليه
نمرة تشف عن عورته ، فحرضهم
، وأمرهم بالجد في حربهم
، وذكر ما صنعت بهم الخزرج
من إخراج النبيت ، وإذلال
من تخلف من سائر الأوس
في كلام كثير ، وجعل كلما
ذكر ما صنعت بهم الخزرج
يستشيط ويحمى ، فأجابته
أوس الله بالذي يحب من
النصرة والمؤازرة والجد
في الحرب.
ثم اجتمعت الأوس
مرة أخرى ، فأجالوا الرأي
، فقالوا : إن ظفرنا بالخروج
لم نبق منهم أحداً ، ولم
نقاتلهم كما كنا نقاتلهم.
فقال حضير : يا معشر الأوس
، ما سميتم الأوس إلا لأنكم
تؤسون الأمور الواسعة
– أي تعالجون الأمور- .
ثم
طرحوا بين أيديهم تمراً
، وجعلوا يأكلون، وحضير
الكتائب جالس وعليه بردة
له قد اشتمل بها الصماء
، وما يأكل معهم، ولا يدنو
إلى التمر غصباً وحنقاً
، فقال : يا قوم ، اعقدوا
لأبي قيس بن الأسلت ، فقال
لهم أبو قيس: لا أقبل ذلك
، فإني لم أرأس على قوم
في حرب قط إلا هزموا وتشاءموا
برياستي.
ثم جاءتهم أوس
مناة ، وقدمت مزينة ، فانطلق
حضير وأبو عامر الراهب
إلى أبي قيس ، فقالوا : جاءتنا
مزينة واجتمع إلينا من
أهل يثرب مالا قبل للخزرج
به ، فما الرأي إن نحن ظهرنا
عليهم : الإنجاز أم البقية
؟ فقال أبو قيس: اقتلوهم
حتى يقولوا : بزابز – وهي
كلمة كانوا يقولونها
إذا غلبوا- . ثم اختلفوا
في ذلك ، فأقسم حضير ألا
يشرب الخمر ، أو يظهر ويهدم
مزاحماً : أطم عبد الله
بن أبي . ثم لبثوا شهرين
يعدون ويستعدون.
وكان
اللقاء ببعاث ، وحشد الحيان
فلم يتخلف عنهم إلا من
لا ذكر له ، ولم يكونوا
حشدوا قبل ذلك في يوم التقوا
فيه. فلما رأت الأوس الخزرج
أعظموهم وقالوا لحضير
: يا أبا أسيد ، لو حاجزت
القوم ، وبعثت إلى من تخلف
من حلفائك من مزينة ؟ فطرح
قوساً كانت في يده ثم قال
: أنتظر مزينة، وقد نظر
إليّ القوم ونظرت إليهم
! الموت قبل ذلك. واقتتلوا
قتالاً شديداً ، فانهزمت
الأوس حين وجدوا مس السلاح
، فولوا مصعدين في حرة
قورى – موضع في نواحي المدينة
- ، فنزل حضير ، وصاحت بهم
الخزرج: أين الفرار ، فلما
سمع حضير طعن بسنان رمحه
فخذه ، ونزل وصاح: وعقراه
والله لا أريم حتى أقتل
فإن شئتم يا معشر الأوس
أن تسلموني فافعلوا ،
فتعطفت عليه الأوس ، وقام
وعلى رأسه غلامان من بني
عبدالأشهل ، وهما يومئذ
معرسان ذوا بطش ، فقاتلا
حتى قتلا ، وأقبل سهم حتى
أصاب عمرو بن النعمان
البياضي رأس الخزرج فقتله
، لا يدرى من رمى به.
ثم
انهزمت الخزرج ، ووضعت
الأوس فيهم السلاح ، وصاح
صائح : يا معشر الأوس ، أسجحوا
ولا تهلكوا إخوتكم، فتناهت
الأوس وكفت عن سلبهم بعد
إثخان فيهم ، وسلبهم قريظة
والنضير.
وحملت الأوس
حضيراً من الجراح التي
به ، وهم يرتجون حوله يقولون
:
كتيبة زينها مولاها ................................................لا
كهلها هد ولا فتاها
وجعلت
الأوس تحرق على الخزرج
نخلها ودورها. ثم خرج سعد
بن معاذ الأشهلي ، حتى
وقف على باب بني سلمة وأجارهم
وأموالهم جزاء لهم بيوم
الرعل – الرعل مال لعبد
الأشهل ، ويوم الرعل يوم
كانت فيه بنو سلمة أغارت
على مال لبني عبد الأشهل
وقاتلوهم ، فجرح سعد بن
معاذ الأشهلي جراحة شديدة
، فاحتمله بنو سلمة إلى
عمرو بن الجموح الخزرجي
فأجاره وأخاه وأجار الرعل
من الحريق وقطع الأشجار،
فلما كان يوم بعاث جازاهم
سعد -.
وأقسم كعب بن أسد
القرظي: ليذلن عبد الله
بن أبي ، وليحلقن رأسه
تحت حصنه مزاحم. فناداه
كعب : انزل يا عدو الله ،
فقال عبدالله : أنشدك الله
! ما خذلت عنكم. فسأل عما
قال ، فوجده حقاً ، فرجع
عنه.
وخرج حضير الكتائب
وأبو عامر الراهب حتى
أتيا أبا القيس بن الأسلت
بعد الهزيمة ، فقال له
حضير : يا أبا قيس ، إن رأيت
أن نأتي الخزرج قصراً
قصراً وداراً داراً ،
نقتل ونهدم حتى لا يبقي
منهم أحد ! فقال أبو قيس
: والله لا نفعل ذلك ، فغضب
حضير وقال : ما سميتم الأوس
إلا لأنكم تؤسون الأمر
أوساً ، ولو ظفرت الخزرج
بمثلها ما أقالونا. ثم
انصرف إلى الأوس فأمرهم
بالرجوع إلى ديارهم.
وثقل
على حضير الجرح ، فذهب
به كليب بن عبدالأشهل
إلى منزله ، فلبث عنده
أياماً ، ثم مات.
وعاد
أبو قيس بن الأسلت إلى
امرأته ،بعد أن مكث في
الحرب أشهراً آثرها على
كل شيء ، حتى شحب لونه وتغير
، فدق الباب ففتحت له ،
فأهوى إليها بيده فدفعته
وأنكرته ، فقال : أنا أبو
قيس ، فقالت : والله ما عرفتك
حتى تكلمت .
أيام
العرب في الجاهلية ، لمحمد
أحمد جاد المولى وصاحباه
، ص 73
يـوم حـلـيمة
لما تولى المنذر بن
ماء السماء ملك الحيرة
، واستقر في ملكه سار إلى
الحارث الغساني ملك الغساسنة
طالباً بثأر أبيه عنده
، وبعث إليه : إني قد أعددت
لك الكهول على الفحول
، فأجابه الحارث : قد أعددت
لك المرد على الجرد. وسار
المنذر حتى نزل بمرج حليمة
، وسار إليه الحارث أيضاً
، ثم اشتبكوا في القتال
، ومكثت الحرب أياماً
ينتصف بعضهم من بعض.
فلما
رأى ذلك الحارث قعد في
قصره ، ودعا ابنته حليمة
، وكانت من أجمل النساء
، فأعطاها طيباً وأمرها
أن تطيب من مر بها من جنده
، فجعلوا يمرون بها وتطيبهم
، ثم نادى : يا فتيان غسان
، من قتل ملك الحيرة زوجته
ابنتي. فقال لبيد بن عمرو
الغسائي لأبيه : يا أبت
؟ أنا قاتل ملك الحيرة
أو مقتول دونه لا محالة
، ولست أرضى فرسي فأعطني
فرسك ، فأعطاه فرسه ، فلما
زحف الناس واقتتلوا ساعة
شد لبيد على المنذر فضربه
ضربة ، ثم ألقاه عن فرسه
، وانهزم أصحاب المنذر
من كل وجه ، ونزل لبيد فاحتز
رأسه ، وأقبل به إلى الحارث
وهو على قصره ينظر إليهم
، فألقى الرأس بين يديه
، فقال له الحارث : شأنك
بابنة عمك – أي حليمة - ،
فقد زوجتكها. فقال : بل أنصرف
فأواسي أصحابي بنفسي
، فإذا انصرف الناس انصرفت.
ورجع
فصادف أخا المنذر قد رجع
إليه الناس وهو يقاتل
، وقد اشتدت نكايته ، فتقدم
لبيد فقاتل حتى قتل ، ولكن
لخماً انهزمت ثانية ،
وقتلوا في كل وجه، وانصرفت
غسان بأحسن الظفر ، بعد
أن أسروا كثيراً ممن كانوا
مع المنذر من العرب.
وكان
من أسرهم الحارث مائة
من بنى تميم ، فيهم شأس
بن عبدة ، ولما سمع أخوه
علقمة وفد إليه مستشفعاً
، وأنشده هذه القصيدة
، ومما قيل فيها:
إلى الحارث
الوهاب أعملت ناقتي................
لكلكلها والقصـر بين
وجيب
لتبلغني دار امرئ
كان نائيــــــــا...........فقد
قربتني من نداك قـروب
وأنت امـرؤ أفضت إليك
أمانتي................... وقبلك ربتني
فضعت ربــوب
فأدت بنو
كعب بن عوف ريبها...................وغودر
في بعض الجـنود ربيب
فوالله
لولا فارس الجـون منهم
..................لآبوا خـزايـا والإياب
حبــيب
تقدمــه حتى تغيب
حجــولــــه ............... وأنت
لبيض الدار عين ضروب
مظاهر
سربالي حديد عليهمــا.......................عقيلا
سيوف مخذم ورسوب
فجالدتهم
حتى اتقوك بكبشهم..................وقد
حان من شمس النهار غروب
وقاتل من غسان أهل حفاظه
....................... وهنب وفأس جـالدت
وشبب
تخشخش أبدان الحديد
عليهـم................... كما خشخشت يبس
الحصاد جنوب
تجـود بنفس
لا يجاد بمثلهــــا...............
وأنت بها يوم اللقــاء
خصيب
كأن رجال الأوس تحت
لبانــه ...................... وما جمعت
جل معاً وعتيب
رغا فوقهم
سقب السماء فداحض.....................
بشكته لم يستلب وسـليب
كأنهم
صابت عليهـم سحابـة.........................
صواقعها لطيرهـن ريب
فلم تنج إلا شطبـة بلجامهـــا...................
وإلا طمر كالقناة نجيب
وإلا
كمي ذو حفــاظ كأنه....................
بما ابتل من حد الظباة
خصيب
وأنت الذي آثاره
في عـدوه....................من البؤس والنعمى
لهن ندوب
وفي كل حي قد
خبطت بنعمة ....................... فحث لشأس
من نداك ذنوب
فلا تحرمني
نائلاً عن جنابة.................... فإني
امرؤ وسط القباب غريب
ولما بلغ إلى قوله : ( فحق
لشأس من نداك ذنوب) ، قال
الملك : أي والله وأذنبة
، ثم أطلق شأساً وقال له
: إن شئت الحباء ، وإن شئت
أسراء قومك. وقال لجلسائه
: إن اختار الحباء على قومه
فلا خير فيه ، فقال : أيها
الملك ، ما كنت لأختار
على قومي شيئاً ، فأطلق
له الأسرى من تميم وكساه
وحباه ، وفعل ذلك بالأسرى
جميعهم وزودهم زاداً
كثيراً ، فلما بلغوا بلادهم
أعطوا جميع ذلك لشأس وقالوا
له : أنت كنت السبب في إطلاقنا
، فاستعن بهذا على دهرك
، فحصل له كثير من إبل وكسوة
وغير ذلك.
وفي هذا اليوم
ضرب المثل : ما يوم حليمة
بسر .
أيام
العرب في الجاهلية ، لمحمد
أحمد جاد المولى وآخرين
، ص 54
يوم ذي قار
كان من أعظم أيام
العرب ، وأبلغها في توهين
أمر الأعاجم ، وهو يوم
لبني شيبان ، وهوأول يوم
انتصرت فيه العرب على
العجم . وخبره كالتالي
:
ذكر كسرى بن هرمز يوماً
الجمال العربي ، وكان
في مجلسه رجل عربي يقال
له : زيد بن عدي ، وكان النعمان
قد غدر بأبيه وحبسه ثم
قتله ، فقال له : أيها الملك
العزيز إن خادمك النعمان
بن المنذر عنده من بناته
وأخواته وبنات عمه وأهله
أكثر من عشرين امرأة على
هذه الصفة .
وأرسل كسرى
زيداً هذا إلى النعمان
ومعه مرافق لهذه المهمة
، فلما دخلا على النعمان
قالا له : إن كسرى أراد لنفسه
ولبعض أولاده نساءاً
من العرب ، فأراد كرامتك
، وهذه هي الصفات التي
يشترطها في الزوجات . فقال
له ا لنعمان : أما في مها
السواد وعين فارس ما يبلغ
به كسرى حاجته ؟ يا زيد
سلّم على كسرى ، قل له : إن
النعمان لم يجد فيمن يعرفهن
هذه الصفات ، وبلغه عذري
. ووصل زيد إلى كسرى فأوغر
صدره ، وقال له : إن النعمان
يقول لك : ستجد في بقر العراق
من يكفينك .
فطار صواب
كسرى وسكت لكي يأمن النعمان
بوائقه ، ثم أرسل إلى النعمان
يستقدمه ، فعرف النعمان
أنه مقتول لا محالة ، فحمل
أسلحته وذهب إلى بادية
بني شيبان حيث لجأ إلى
سيدهم هانئ بن مسعود الشيباني
وأودع عنده نسوته ودروعه
وسلاحه ، وذهب إلى كسرى
، فمنعه من الدخول إليه
وأهانه ، وأرسل إليه من
ألقى القبض عليه ، وبعث
به إلى سجن كان له ، فلم
يزل به حتى وقع الطاعون
هناك فمات فيه .
وأقام
كسرى على الحيرة ملكاً
جديداً هو إياس بن قبيصة
الطائي ، وكلفه أن يتصل
بهانئ بن مسعود ويحضر
ما عنده من نساء النعمان
وسلاحه وعتاده ، فلما
تلقى هانئ خطاب كسرى رفض
تسليم الأمانات ، فخيره
كسرى إما أن يعطي ما بيده
، أو أن يرحل عن دياره ،
أو أن يحارب ، فاختار الحرب
، وبدأ يعد جيشاً من بكر
بن وائل ومن بني شيبان
ومن عجل ويشكر والنمر
بن قاسط وبني ذهل .
وفي
أثناء ذلك جمع كسرى نخبة
من أبطال الفرس ومن قبائل
العرب التي كانت موالية
له وخصوصاً قبيلة إياد
، ووجههم ليجتاحوا هانئاً
ويحضروه صاغراً إلى كسرى.
فلما
وصل جيش كسرى وحلفاؤهم
من العرب أرسلت قبيلة
إياد إلى هانئ : نحن قدمنا
إلى قتالك مرغمين ، فهل
نحضر إليك ونفرّ من جيش
كسرى؟ فقال لهم : بل قاتلوا
مع جنود كسرى ، واصمدوا
إلينا أولاً ، ثم انهزموا
في الصحراء ، وإذ ذاك ننقض
على جيش كسرى ونمزقهم
.
وقدم الجيش الفارسي
وحلفاؤهم من إياد فوجدوا
جيش هانئ قد اعتصم بصحراء
لا ماء فيها ولا شجر ، وقد
استقى هانئ لجيشه من الماء
ما يكفيهم ،فبدأ الفرس
يموتون من العطش ، ثم انقضوا
على جيش هانئ كالصواعق
، وبينما هم في جحيم المعركة
انهزمت قبيلة إياد أمام
هانئ وانقضت على الفرس
الذين حولها ، فأثخنت
فيهم ومزقتهم ، وقتل كل
أبطال فارس الذين أرسلهم
كسرى لإحضار هانئ حياً
، فلما رجعت بعض فلول الفرس
إلى كسرى إذا هم كالفئران
الغارقة في الزيت .
وكانت
ساحة ذي قار أرضاً يغطي
الزفت والقطران كثيراً
من أرضها ، فلما رآهم كسرى
على ذلك الشكل قال لهم
: أين هانئ ؟ وأين أبطالكم
الذين لا يعرفون الفرار،
فسكتوا فصاح بهم ، فقالوا
: لقد استقبلنا العرب في
صحرائهم فتهنا فيها ومات
جميع القادة وخانتنا
قبيلة إياد حين رأوا بني
جنسهم ، فكاد كسرى يفقد
عقله ، ولم يمضي عليه وقت
قصير حتى مات حسرة ، فتولى
مكانه ابنه شيرويه .
وقد
حدث بعض من حضر يوم ذي قار
أن قبائل بكر استصحبوا
من خلفهم نساءهم وانقضوا
على الجيش الفارسي ، فبرز
أحد العلوج وطلب المبارزة
فانقض عليه عربي من بني
يشكر اسمه برد بن حارثة
اليشكري فقتله ، وكان
هانئ قد نصب كميناً من
وراء الجيش الفارسي ،
فانقض الكمين على الملك
الجديد الذي كان كسرى
عينه خلفاً للنعمان بن
المنذر ، وفي أثناء ذلك
أحس العرب روابط الأخوة
التي تنتظمهم ، فانسحب
من جيش فارس كثير من العرب
الذين كانوا يعطون ولاءهم
لفارس من قبائل تميم وقيس
عيلان فانقضوا على الفرس
الذين يلونهم بعد أن كانوا
يدينون بالولاء لهم ،
وعرف العرب أنهم كانوا
مخدوعين بملك رخيص كان
كسرى يضحك به على بعض أذنابه
منهم .
وروي عنه عليه الصلاة
والسلام أنه لما بلغه
انتصار قبائل بكر بقيادة
هانئ بن مسعود الشيباني
على عساكر الفرس قال : ( هذا
أول يوم انتصف فيه العرب
من العجم ، وبي نصروا ) .
والحق
أن انتصار العرب على العجم
في ذي قار كان نواة لمعركة
القادسية التي أعز الله
فيها قبائل العرب بنور
الإسلام ، ونبوة محمد
عليه الصلاة والسلام
.
أبطال
ومواقف ، لأحمد فرح عقيلان
،ص 11 ، وأيام العرب في الجاهلية
لمحمد أبو الفضل وآخرين
،ص6
حلف الفضول
قدم إلى مكة المكرمة
تاجر يماني من قبيلة زبيد
ومعه تجارة ، فاشتراها
منه رجل من قريش كان معروفاً
بالعناد والباطل والظلم
، هو العاص بن وائل السهمي
، والد عمرو بن العاص وهشام
بن العاص رضي الله عنهما
. وبعد أن قبض العاص البضاعة
واستقرت عنده أنكر حق
الرجل .
فلما يأس الزبيدي
من نصرة قريش ، وقف في وسط
المسجد الحرام بجوار
الكعبة ، وأنشد بأعلى
صوته :
يا آل فهر لمظلوم
بضاعتـه ............... ببطن مكة نائي
الدار والنفر
ومحرم أشعث
لم يقض عمرته .............. يا للرجال
وبين الحِجر والحَجر
البيت
هذا لمن تمت مروءته ..............
وليس للفاجر المأفـون
والغدر
فقام أحد أشراف
بني عبد المطلب واسمه
الزبير فقال للزبيدي
: لبيك جاءتك النّصفة ،
والله إن هذا ظلم لا يصبر
عليه و لا يترك ، وسارع
في الحال إلى بيت رجل من
كرام قريش اسمه عبد الله
بن جدعان ، وكان من رهط
أبي بكر الصديق ، وكان
ممدّحاً جواداً ، الذي
قام بدوره ونهض فنادى
في أفناء قريش وأحيائها
: هلم يا أشراف مكة إلى بيتي
نبرم حلفاً ينصر المظلوم
، ويأخذ على يد الظالم
.
فاستجاب له نفر من أهل
الغيرة والمعروف من بني
هاشم وبني المطلب ، وبني
أسد وهم قوم خديجة ، وبني
زهرة أخوال النبي صلى
الله عليه وسلم ، وبين
تيم ومنهم ابن جدعان نفسه
، فأبروا حلفاً وتعاقدوا
ألا يجدوا بمكة مظلوماً
من أهلها ومن غيرهم من
سائر الناس إلا أقاموا
معه حتى يردوا مظلمته
، فسمت قريش ذلك حلف الفضول
– يعني الأفاضل - .
وفي الحال
توجه أعضاء الحلف إلى
بيت العاص ، فدفع حق الزبيدي
صاغراً.
وبعدها بقليل
غصب أحد القرشيين بنتاً
من خثعم ، فاستعدى أبوها
الفضول ، فردوها مكرمة
لم تصب بسوء ، فأثبت العرب
أن لهم أساساً من الفضائل
وخلفية من الأخلاق حتى
قبل بعثة النبي الكريم
صلى الله عليه وسلم الذي
أعلن أنه إنما بعث ليتمم
مكارم الأخلاق .
وما أجمل
قول النبي صلى الله عليه
وسلم حين قال : ( لقد شهدت
مع عمومتي حلفا ًفي دار
عبد الله بن جدعان ما أحب
أن لي به حمر النعم ، ولو
دعيت إلى مثله في الإسلام
لأجبت ) .
أبطال
ومواقف ، لأحمد فرح عقيلان
،ص 9